بدأت ألعب الأونو من عمري 4 سنوات, لعبة بسيطة وسطحية, الفوز والخسارة تعتمد فيها بالكامل على جودة الكروت اللي اللي توزّع عليك. وقتها، ما كنت أعرف شي عن نظريات الحظ ولا عن امتيازات النشأة، لكني كنت أعرف إني أزعل لما أخسر، وأفرح لما أفوز.
إذا خسرت, تنهال علي أنواع النعوت المستفزة حتى انهار باكياً. -من الممكن أن تكرار الخسارة، حتى في لعبة بسيطة، كان كافيًا لزرع أُلفة للفشل وحساسية مفرطة منه في ذات الوقت- ماعلينا, كنت في المقابل, اذا فزت, تتلقى فرحتي كلمة واحدة قصيرة “حظ”, او احيانا بصيغة اكثر تهكماً: “حظك زايد!” -وكأن كل شي خارج عن إرادتي- وكانت هذي اول مره أنعت فيها بالحظ.
وقتها، ما كنت أملك اللغة لأشرح إحساسي-قبل ما اتعلم كيف “اتفلسف”-، لكني كنت أحاول أقول بجملة بريئة: "طيب ويوم خسرت أمس؟" كنت أحاول أوصل فكرة بسيطة: إذا كانت النتيجة عشوائية، ليه يُنسَب الفشل لي، وينسَب النجاح للحظ؟
سنوات لاحقًا، فهمت أن كثير من الناس ما يفرّقون بين "الحظ" و"الامتياز". وأنه أحيانًا، مجرد كونك جالس تلعب... هو في حد ذاته امتياز. كون اللعبة بدأت، يعني إننا نملك حدًا أدنى من المقومات: عندنا بيت، عندنا أخوان نلعب معهم، نقدر نضحك إذا فزنا لأننا مو جوعانين. نقدر نصارخ إذا خسرنا لأننا مو محاصرين من جنود يترصّدون لقتل أهالينا!
اذن, المحظوظ مو اللي يفوز.. المحظوظ اللي عنده امتيازات أتاحت له الفرصة انه يلعب.
الفرق بين الامتياز والحظ
الحظ هو حدث عشوائي، غير متوقّع، يصير لك فجأة: تقابل شخص بالصدفة، تفوز بسحب على جي كلاس, أو تلقى مليون دولار مرمية على طريق القصيم.
أما الامتياز، على الجهة الثانية، فهو الأرضية اللي وقفت عليها قبل تبدأ: مولود في بيئة مستقرة، عندك تعليم مجاني، صوتك مسموع، وقتك فاضي لأن ما عندك مسؤوليات ثقيلة ولا أطفال ينتظرونك ترجع بالأكل.
الحظ لحظة، لكن الامتياز بنية.
الحظ يزورك، لكن الامتياز يعيش معك.
والأهم: الحظ ما تقدر تكرره، لكن الامتياز يفتح لك احتمالات تكرار الحظ.
أحد الاصدقاء قال لي:”بس لحظة، الامتياز نفسه ما هو حظ؟ ما أحد يختار يُولد في بيئة مستقرة.”
صح! هذا بالضبط اللي المفروض نستوعبه. ولو فهمنا هالنقطة, ماراح نسأل الناجح:
“بديت من الصفر؟”
لأن هذا سؤال في الغالب ما له معنى. اللي بدأ من غير فلوس، غالبًا بدأ بامتياز من نوع آخر:
ذكاء وراثي، فضول حارق، قدرة على التحمل، أو ببساطة... ولد في بلد مثل السعودية، مو وسط مجاعات أفريقيا.
ما فيه إنسان يبدأ من "صِفر" حقيقي. كل نجاح مبني على نوع ما من الامتياز، حتى لو كان غير مرئي.
ستيف جوبز ما كان "محظوظ" بنجاح أبل، لكنه كان يمتلك امتيازات واضحة: بيئة تقنية، معدل ذكاء مرتفع، وشغف واضح بالتقنية والتصميم.
نظرة اخيرة
فيه سؤال ما نقدر نهرب منه:
اللي كان موجود بالغرفة وما لعب.. ليه ما قال: "أبي ألعب؟"
هل كان مايبغى يلعب؟
ولا كان مقتنع إن الدور راح يوصله؟
ولا كان نايم وما يدري إن فيه لعبة أساسًا؟
وإذا كل هذا صحيح...
فإيش يعني فعلًا أن نكون محظوظين؟
إننا لعبنا؟
ولا إننا عرفنا من الأساس إن فيه لعبة؟